فصل: فصل في بيان وجوه الأعذار المبيحة للإفطار وما يتعلق بها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ***


كتاب الصوم

كتاب الصوم قدمه على كتاب الحج ‏;‏ لأنه منه بمنزلة البسيط من المركب من حيث إنه عبادة بدنية محضة والحج عبادة بدنية ومالية والبسيط قبل المركب هذا ثالث أركان الإسلام بعد لا إله إلا الله محمد رسول الله شرعه سبحانه وتعالى لفوائد أعظمها كونه موجبا لشيئين أحدهما عين الآخر سكون النفس الأمارة وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج فإن به تضعف حركتها في محسوساتها ولهذا قيل إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء وإذا شبعت جاعت كلها ومنها كونه موجبا للرحمة والعطف على المساكين لذوق ألم الجوع فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في عموم الأوقات فيسارع إلى رحمتهم والرحمة حقيقتها في حق الإنسان نوع ألم باطن فيسارع لدفعه عنه بالإحسان إليهم فينال بذلك ما عند الله من حسن الجزاء ومنها كونه موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملون أحيانا وفي ذلك رفع حاله عند الله تعالى كما في الفتح لكن في الأخريين كلام ‏;‏ لأنهما في حق الغني فقط أما في حق الفقير فلا ‏,‏ فلو اقتصر على الأول لكان أولى ‏.‏ تأمل والصوم في اللغة ‏:‏ الإمساك مطلقا عن الكلام وغيره ثم جعل عبارة عن هذه العبادة ومنه صام الفرس إذا لم يعتلف قال النابغة خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما أي ممسكة عن العلف أو غير ممسكة وفي الشريعة ‏(‏ هو ترك الأكل ‏)‏ وما في حكمه فلا يرد ما وصل إلى الدماغ فإنه مفطر ‏;‏ لأن المراد إدخال شيء بطنه مأكولا أو لا فما وصل إلى الدماغ وصل إلى الجوف لما أن بين الدماغ والجوف منفذ ‏(‏ والشرب ‏)‏ بالحركات ‏(‏ والوطء ‏)‏ أي كف النفس عن هذه الأفعال قصدا فلا يشكل بما فعل نسيانا ‏;‏ لأن فعل الناسي ليس بمعتبر شرعا والمراد بالوطء الوطء الكامل فلا يشكل بواطئ ميتة أو بهيمة بلا إنزال على أن التعريف بالأعم جائز ‏,‏ ولو قال ترك المفطرات لزم الدور إذ هي مفسدات الصوم كما في القهستاني وكذا لا يشكل بالحائض والنفساء لانعدام شرطه وهو الطهارة عنها ‏,‏ لكن لو قال ‏:‏ إمساك عن إدخال شيء عمدا في بطنه أو ما له حكم الباطن لكان أوضح وذلك الإمساك ركنه ‏(‏ من الفجر ‏)‏ أي أول زمان الصبح الصادق عند جمهور العلماء وقيل انتشاره لكن الأول أحوط ‏(‏ إلى الغروب ‏)‏ الحسي بحيث تظهر الظلمة في جهة الشرق لا الحقيقي ‏;‏ لأنه لا يمكن تحقيقه إلا للأفراد ‏(‏ مع نية من أهله ‏)‏ احتراز عن نية من ليس بأهل للصوم كالحائض والنفساء ونحوهما وهي شرط لصحة الأداء ليتميز بها العبادة عن العادة ‏,‏ وأراد بمعية النية معية الوجود لا معية الاستمرار كما في شرح المجمع ‏(‏ وهو ‏)‏ أي الأهل ‏(‏ مسلم ‏)‏ احتراز عن الكافر ‏(‏ عاقل ‏)‏ احتراز عن المجنون ‏(‏ طاهر من حيض ونفاس ‏)‏ بالانقطاع فيصح صوم الجنب لكن قال في المنح ولا يشترط العقل والإفاقة للصحة ‏;‏ لأن من نوى الصوم من الليل ثم جن في النهار أو أغمي عليه يصح صومه في ذلك اليوم وإنما لم يصح في اليوم الثاني لعدم النية ‏;‏ لأنها من المجنون والمغمى عليه لا يتصور لا لعدم أهلية الأداء ‏,‏ وأما البلوغ فليس من شرط الصحة لصحته من الصبي العاقل وبهذا يثاب عليه ‏.‏ وفي الفتح وينبغي أن يزاد في الشروط ‏,‏ العلم بالوجوب أو الكون في دار الإسلام ‏;‏ لأن الحربي إذا أسلم في دار الحرب ولم يعلم بفرضية رمضان ثم علم ليس عليه قضاء ما مضى ‏.‏

صوم شهر رمضان

‏(‏ وصوم ‏)‏ شهر ‏(‏ رمضان ‏)‏ فإن المجموع علم في ثلاثة أشهر شهر رمضان شهر ربيع الأول شهر ربيع الآخر ورمضان محمول على الحذف للتخفيف وذلك ‏;‏ لأنه لو كان رمضان علما لكان شهر رمضان بمنزلة إنسان زيد ولا يخفى قبحه ولهذا كثر في كلام العرب شهر رمضان ولم يسمع شهر رجب وشهر شعبان على الإضافة كما في التلويح والسر في قبحه عدم الاستعمال ‏,‏ وإلا فهو من قبيل إضافة العام إلى الخاص وهي جائزة ‏.‏ تدبر ‏,‏ وهي مشتق من رمض إذا احترق ‏;‏ لأن الذنوب تحترق فيه ‏(‏ فريضة ‏)‏ لقوله تعالى ‏{‏ كتب عليكم الصيام ‏}‏ وعلى فرضيته انعقد الإجماع ولهذا يكفر جاحده كما في الهداية وإنما لم يقل وللإجماع كما قيل ‏;‏ لأنه لما اتجه عليه أن يقال ‏:‏ إنه عام خص منه البعض وهو الذي لم يجر عليه قلم التكليف من الصبي والمجنون فيكون دليلا ظنيا قاصرا عن إفادة الفرضية القطعية تداركه بقوله وعلى فرضيته انعقد الإجماع ‏.‏ تأمل ‏(‏ على كل مسلم مكلف ‏)‏ فلا يجب على الكافر والصبي والمجنون المستغرق جميع الشهر بالاتفاق اعلم أن شرطه ثلاثة أنواع شرط ‏:‏ وجوبه كالإسلام والبلوغ والعقل وشرط وجوب أدائه كالصحة والإقامة وشرط صحة أدائه وقد مر بيانه آنفا وسبب وجوبه شهود جزء من الشهر ليلا أو نهارا وكل يوم سبب وجوب أدائه ‏;‏ لأن الأيام متفرقة كالصلاة في الأوقات بل أشد لتخلل زمان لا يصلح للصوم أصلا وهو الليل ولا تنافي بين جمع السببين فشهود جزء من الشهر سبب لكله وكل يوم سبب لصومه غاية الأمر أنه تكرر سبب وجوب صوم اليوم باعتبار خصوصه ودخوله في ضمن غيره وحكمه سقوط الواجب وقيل ثوابه إن كان صوما لازما ‏,‏ وإلا فالثاني كما في الفتح ‏.‏ وقال المولى ابن كمال الوزير إن السبب الجزء الأول في كل يوم لا كله وإلا يلزم أن يجب صوم كل يوم بعد تمام ذلك اليوم ولا الجزء المطلق وإلا لوجب صوم يوم بلغ فيه الصبي ‏,‏ ولا وجه لأن يكون الشهر سببا باعتبار جزئه الأول أو باعتبار جزئه المطلق إذ يلزم على الأول أن لا يجب صوم ما بقي على من بلغ في أثناء الشهر ويلزم على الثاني أن يجب صوم الكل في الصورة المذكورة انتهى أقول فيه كلام ‏;‏ لأن السبب شهود جزء من الشهر لا محالة لكن عدم وجوب صوم الكل في تلك الصورة لعدم وجدان الشرط وهو البلوغ لا لعدم وجدان السبب فإذا بلغ في أثناء الشهر وجب صوم ما بقي لوجود الشرط ولا يجب صوم ما مضى لعدمه تدبر ‏(‏ أداء ‏)‏ لقوله تعالى ‏{‏ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ‏}‏ ‏(‏ وقضاء ‏)‏ لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ فعدة من أيام أخر ‏}‏ ويجب القضاء بما يجب به الأداء ‏.‏

صوم المنذور

‏(‏ وصوم المنذور ‏)‏ معينا كما إذا قال لله علي أن أصوم يوم الخميس مثلا أو غير معين كقوله ‏:‏ لله علي أن أصوم يوما مثلا وسببه النذر ولذا لو نذر صوم شهر بعينه فصام شهرا قبله عنه أجزأه ‏;‏ لأنه تعجيل بعد وجود السبب ويلغو التعيين ‏(‏ والكفارة ‏)‏ لظهار أو قتل أو يمين أو جزاء صيد أو فدية الأذى في الإحرام ‏,‏ والسبب الحنث والقتل ‏(‏ واجب ‏)‏ لم ينعقد الإجماع على فرضية واحد منهما بل على وجوبه أي ثبوته عملا لا علما ولهذا لا يكفر جاحده كما في الإصلاح لكن في الفتح الأظهر أنهما فرض للإجماع على لزومها ونص في البدائع على فرضية المنذور ‏.‏ وفي المواهب وفرض صوم الكفارات وكذا صوم المنذور في الأظهر ‏.‏ وفي التبيين الكفارة فرض والنذر واجب وقال يعقوب باشا ‏,‏ وقول ابن مالك في شرحه ‏,‏ ولو قال وصوم رمضان والنذر فرض وصوم الكفارات واجب لكان أولى ليس بتام ‏;‏ لأنه لا فرق بين صوم النذر وصوم الكفارة في الواجبية أو الفرضية كما لا يخفى انتهى ‏.‏ على أنها يخالف ما في شرحه للمجمع تدبر ‏.‏ هذا بحث طويل فليطلب من شروح الهداية وغيرها ‏(‏ وغير ذلك نفل ‏)‏ يعني الزائد وهو أعم من السنة كصوم عاشوراء من التاسع والمندوب كصوم ثلاثة من كل شهر ويستحب كونها الأيام البيض ولم يذكر المكروه تنزيها وهو صوم عاشوراء منفردا ونحوه كما سنبين إن شاء الله تعالى ‏.‏

صوم العيدين وأيام التشريق

‏(‏ وصوم العيدين وأيام التشريق حرام ‏)‏ لورود النهي عن الصيام في هذه الأيام ‏.‏

ما يثبت به رمضان

‏(‏ ويثبت ‏)‏ رمضان أي دخوله وابتداؤه ‏(‏ برؤية هلاله أو بعد شعبان ‏)‏ أي بأن يعد شعبان ‏(‏ ثلاثين ‏)‏ يوما لقوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما‏"‏ والغيم عبارة عن عدم الظهور لعلة في السماء أو لقربه من الشمس ‏.‏

باب موجب الفساد

بفتح الجيم ما يوجبه الإفساد للصوم يعني الحكم المترتب على الإفساد بالكسر ما به الفساد يعني الأسباب للفطر ‏:‏ لما فرغ من أنواع الصوم شرع في بيان ما يجب عند إبطاله ‏;‏ لأنه أمر عارض على الصوم فلهذا يذكر مؤخرا ثم العوارض على ثلاثة أقسام ‏:‏ الأول ما يفسده مع القضاء والكفارة ‏,‏ والثاني ما يوجب القضاء دون الكفارة والثالث ما يتوهم أنه مفسد وليس بمفسد وقد بين الأقسام بالترتيب فقال ‏(‏ يجب القضاء ‏)‏ وهو تسليم مثل الواجب استدراكا للمصلحة الفائتة ‏(‏ والكفارة ‏)‏ لكمال الجناية ‏(‏ ككفارة المظاهر ‏)‏ بأن يعتق رقبة فإن لم يستطع فيصوم شهرين ولاء إذ بإفطار يوم استقبل فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وإنما ترك بيان وقت وجوب القضاء والكفارة إشعارا بأنه على التراخي كما قال محمد ‏.‏ وقال أبو يوسف ‏:‏ إنه على الفور وعن الإمام روايتان وقيل بين رمضانين وبه قال الكرخي والأول أصح ‏(‏ على من جامع ‏)‏ من الجماع وهو إدخال الفرج في الفرج ‏.‏ وفي الخزانة التقاء الختانين موجب للكفارة ‏(‏ أو جومع ‏)‏ في أداء رمضان إذ في غير رمضان لا يوجب الكفارة ‏(‏ عمدا ‏)‏ أي حال كونه عامدا احتراز عن الإكراه والخطأ والنسيان ‏.‏ وفي فتاوى سمرقند وإن أكرهت المرأة زوجها فجامعها مكرها تجب الكفارة عليه ‏;‏ لأن الجماع لا يتصور إلا باللذة والانتشار وذلك دليل الاختيار لكن الصحيح ‏:‏ أنها لا تجب وهو قولهما وعليه الفتوى ‏,‏ ولو أكرهها هو فلا كفارة عليها إجماعا ‏(‏ في أحد السبيلين ‏)‏ أي القبل والدبر من إنسان حي فالجماع في الدبر موجب للكفارة كما قالا وهو الصحيح من مذهب الإمام ‏;‏ لأن الجناية كاملة ‏.‏ ولو جامعها ثم مرض في يومه سقطت الكفارة كما في المحيط ‏.‏ ولو لف ذكره بخرقة مانعة للحرارة لم يكفر كما في المنية ‏.‏ ولو جامع مرارا في يوم من رمضان واحد ولم يكفره كانت عليه كفارة واحدة فإذا كفر للأولى ‏,‏ ثم جامع مرة أخرى فعليه كفارة أخرى في ظاهر الرواية ‏.‏ ولو جامع في رمضانين لزمت كفارتان كما روي عن محمد وقال أكثر المشايخ ‏:‏ كفارة واحدة وهو الصحيح للتداخل ‏(‏ أو أكل أو شرب عمدا ‏)‏ سواء نوى من الليل أو النهار على الصحيح وشرطوا في وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان من كون المأكول ‏(‏ غداء ‏)‏ هو اصطلاحا ما يقوم بدل ما يتحلل عن شيء وهو بالحقيقة الدم وباقي الأخلاط كالأبازير وعرفا وهو المراد ما من شأنه أن يصير البدل كالحنطة والخبز ‏.‏ وفي المحيط إذا أكل ما يؤكل عادة يكفر وما لا فلا وعند أحمد والشافعي في قول في الأكل والشرب لا يكفر ‏,‏ ولو مضغ لقمة ناسيا فتذكر فابتلعها بعد إخراجها فلا كفارة ‏,‏ وعليه القضاء ‏;‏ لأنها شيء تعافه الناس وإن ابتلعها قبل إخراجها فعليه الكفارة كما في شرح المنظومة ‏(‏ أو دواء ‏)‏ وهو ما يؤثر في البدن بالكيفية فقط كالكافور وغيره لكن في المحيط لو أكل ما يتداوى به قصدا أو تبعا لغيره يكفر وإلا فلا ‏.‏

فصل في بيان وجوه الأعذار المبيحة للإفطار وما يتعلق بها

ولما اختلف الحكم بالعذر فلا بد من معرفة الأعذار المسقطة للإثم ‏;‏ فلذا ذكرها في فصل على حدة ‏(‏ يباح الفطر لمريض خاف ‏)‏ بالاجتهاد أو بإخبار طبيب مسلم غير ظاهر الفسق وقيل عدالته شرط والمراد بالخوف غلبة الظن ‏(‏ زيادة ‏)‏ منصوب لنزع الخافض ‏(‏ مرضه ‏)‏ الكائن أو امتداده أو وجع العين أو جراحة أو صداع أو غيره ويدخل فيه خوف عود المرض ونقصان العقل ‏,‏ والصحيح الذي يخشى أن يمرض بالصوم فهو كالمريض كما في التبيين والأمة التي تخدم إذا خافت الضعف جاز أن تفطر ثم تقضي ولها أن تمتنع من الائتمار بأمر المولى إذا كان يعجزها عن أداء الفرض ‏,‏ والعبد كالأمة ومن له نوبة حمى فأفطر مخافة الضعف عند إصابة الحمى فلا بأس به لأن الغالب كالكائن وقال نجم الأئمة من اشتد مرضه كره صومه ‏.‏ وفي شرح المجمع لو برئ من المرض ولكنه ضعيف لا يفطر ‏;‏ لأن المبيح هو المرض لا الضعف وكذا لو خاف من المرض ففيه مخالفة لما في التبيين ووفق صاحب البحر بأن يراد بالخوف في كلام شرح المجمع مجرد الوهم ‏.‏ وفي كلام الزيلعي غلبة الظن فلا مخالفة ولا بأس بأن يفطر من ذهب به متوكل السلطان إلى العمارة في الأيام الحارة والعمل حثيث إذا خشي الهلاك أو نقصان العقل ‏.‏ وفي المبتغي العطش الشديد والجوع الذي يخاف منه الهلاك يبيح الإفطار إذا لم يكن بإتعاب نفسه ومن أتعب نفسه في شيء أو عمل حتى أجهده العطش فأفطر كفر ‏,‏ وقيل لا والغازي إذا كان بإزاء العدو ويعلم قطعا أنه يقاتل في رمضان وخاف الضعف إن لم يفطر يفطر قبل الحرب مسافرا كان أو مقيما ‏(‏ بالصوم ‏)‏ ‏.‏ وقال الشافعي لا يفطر إلا إذا خاف الهلاك أو فوات العضو ‏(‏ وللمسافر ‏)‏ الذي له قصر الصلاة ‏.‏ وفي الخانية المسافر إذا تذكر شيئا قد نسيه في منزله فدخل فأفطر ثم خرج فإنه يكفر قياسا ‏,‏ وبه نأخذ ولو سافر من مكانه أو حضر من سفره أفطر لكنه مكروه كما في القهستاني ‏.‏

‏(‏ وصومه ‏)‏ أي المسافر ‏(‏ أحب ‏)‏ أي أفضل إذا لم يفطر عامة رفقائه ‏,‏ وإلا فالإفطار أفضل إذا كانت النفقة بينهم مشتركة ‏.‏ وقال الشافعي الفطر أفضل وعند أصحاب الظواهر لا يجوز الصوم لقوله عليه السلام ‏"‏ليس من البر الصيام في السفر‏"‏ ولنا قوله تعالى ‏{‏ وأن تصوموا خير لكم ‏}‏ وما رووه محمول على حالة الجهد ‏(‏ إن لم يضره ‏)‏ السفر وفيه إشعار بأن الصوم مكروه إذا أجهده ‏(‏ ولا قضاء إن ماتا على حالهما ‏)‏ أي المريض مطلقا سواء كان الحقيقي أو الحكمي كالحامل والمرضع والحائض وغيرهن والمسافر فلا تجب عليهما الوصية بالفدية ‏;‏ لأنهما لم يدركا عدة من أيام أخر فلم يوجد شرط وجوب الأداء فلم يلزم القضاء ‏.‏

‏(‏ ويجب ‏)‏ القضاء ‏(‏ بقدر ما فاتهما إن صح ‏)‏ المريض ولو قال إن قدر لكان أولى ‏;‏ لأن الشرط القدرة لا الصحة والأولى أن لا تستلزم الثانية كما في الإصلاح ‏(‏ أو أقام ‏)‏ المسافر ‏(‏ بقدره ‏)‏ أي بقدر ما فاته لوجود عدة من أيام أخر ‏(‏ وإلا ‏)‏ أي وإن لم يقدر المريض ولم يقم المسافر بقدر ما فاتهما بل قدر أو أقام مقدارا أنقص من مدة المرض أو السفر ثم ماتا ‏(‏ فبقدر الصحة والإقامة ‏)‏ ‏,‏ وفائدة وجوب القضاء بقدرهما وجوب الفدية عليه بقدرهما وعن هذا قال مفرعا عليه ‏(‏ فيطعم عنه وليه ‏)‏ أراد به من له التصرف في ماله فيشمل الوصي ‏(‏ لكل يوم كالفطرة ‏)‏ أي وجب على الولي أن يؤدي فدية ما فاتهما من أيام الصيام كالفطرة عينا أو قيمة فلو فات بالمرض أو السفر صوم خمسة أيام مثلا وعاش بعده خمسة أيام بلا قضاء ثم مات فعليه فدية خمسة أيام ولو فات خمسة وعاش ثلاثة فعليه ثلاثة فقط ‏(‏ ويلزم ‏)‏ أي ويجب إطعام الوارث ‏(‏ من الثلث ‏)‏ إن كان له وارث وإلا فمن الكل ‏(‏ إن أوصى ‏)‏ المورث ‏,‏ وفيه أن الإيصاء واجب إن كان له مال كما في المنية ولا يختص هذا بالمريض والمسافر بل يدخل فيه من أفطر متعمدا ووجب القضاء عليه أو لعذر ما وكذا كل عبادة بدنية ‏(‏ وإلا ‏)‏ أي وإن لم يوص ‏(‏ فلا لزوم ‏)‏ للورثة عندنا ‏;‏ لأنها عبادة فلا بد من أمره خلافا للشافعي ‏.‏

‏(‏ وإن تبرع ‏)‏ الولي ‏(‏ به ‏)‏ أي بالإطعام من غير وصية ‏(‏ صح ‏)‏ ويكون له ثواب ذلك وعلى هذا الخلاف الزكاة ‏(‏ والصلاة ‏)‏ المكتوبة أو الواجبة كالوتر هذا على قول الإمام وعندهما الوتر مثل السنن لا تجب الوصية به كما في الجوهرة ‏(‏ كالصوم ‏,‏ وفدية كل صلاة كصوم يوم ‏)‏ أي كفديته ‏.‏ ‏(‏ وهو الصحيح ‏)‏ رد لما قيل ‏:‏ فدية صلاة يوم وليلة كصوم يومه إن كان معسرا وقال محمد بن مقاتل أو لا بلا قيد الإعسار ثم رجع ‏,‏ والقياس أن لا يجوز الفداء عن الصلاة وإليه ذهب البلخي وفيه إشارة إلى أنه لو فرط بأدائها بإطاعة النفس وخداع الشيطان ثم ندم في آخر عمره وأوصى بالفداء لم يجزئ لكن في المستصفى دلالة على الإجزاء وإلى أنه لو لم يوص بفدائهما وتبرع وارثه جاز ولا خلاف أنه أمر مستحسن يصل إليه ثوابه وينبغي أن يفدي قبل الدفن وإن جاز بعده كما في القهستاني ‏.‏ ‏(‏ ولا يصوم عنه وليه ولا يصلي ‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد ولكن يطعم‏"‏ خلافا للشافعي ‏.‏

‏(‏ وقضاء رمضان إن شاء فرقه ‏)‏ لإطلاق النص ‏(‏ وإن شاء تابعه ‏)‏ وهو أفضل مسارعة إلى إسقاط الواجب قال صاحب التحفة ‏:‏ الصوم الشرعي أربعة عشر نوعا ثمانية منها مذكورة في كتاب الله تعالى ‏:‏ أربعة منها متتابعة وهي صوم شهر رمضان وصوم كفارة الظهار وصوم كفارة القتل وصوم كفارة اليمين وأربعة منها صاحبها بالخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق وهي قضاء صوم رمضان وصوم المتعة وصوم جزاء الصيد وصوم كفارة الحلف ‏,‏ وستة مذكورة في السنة وهي صوم كفارة الفطر في رمضان عمدا وصوم النذر وصوم التطوع والصوم الواجب باليمين كقول الرجل ‏:‏ والله لأصوم من شهر وصوم اعتكاف وصوم قضاء التطوع عند الإفساد وهذا قول عامة العلماء وقد خالف الشافعي في ثلاثة مواضع ‏:‏ أحدها قال إن صوم الكفارة ليس بمتتابع والثاني قال إن صوم الاعتكاف ليس بواجب والثالث قال لا يجب قضاء صوم التطوع ‏(‏ فإن أخره ‏)‏ أي القضاء ‏(‏ حتى جاء ‏)‏ رمضان ‏(‏ آخر قدم الأداء ‏)‏ على القضاء بالإجماع ‏;‏ لأنه وقته ‏(‏ ثم قضى ولا فدية عليه ‏)‏ ‏;‏ لأن وجوبه على التراخي ولهذا جاز التطوع قبله وعند الشافعي عليه الفداء إن أخره بغير عذر ‏.‏

فصل نذر صوم يومي العيد وأيام التشريق

فصل فيما يوجبه على نفسه أخره عما أوجبه الله تعالى ‏;‏ لأنه فرعه ‏(‏ نذر صوم يومي العيد وأيام التشريق صح ‏)‏ ‏;‏ لأن النذر التزام فلا يكون معصية وإنما المعصية ترك إجابة دعوة الله تعالى فيصح نذره ‏.‏ ‏(‏ و ‏)‏ لكنه ‏(‏ أفطر ‏)‏ احترازا عن المعصية ‏(‏ وقضى ‏)‏ إسقاطا لما أوجبه على نفسه خلافا لزفر والشافعي وهو رواية ابن المبارك عن الإمام ورواية ابن سماعة عن أبي يوسف عن الإمام لورود النهي عن صوم هذه الأيام ‏.‏

باب الاعتكاف

‏(‏ الاعتكاف ‏(‏ هو ‏)‏ لغة اللبث من العكف أي الحبس ومنه الاعتكاف في المسجد ‏;‏ لأنه حبس النفس ومنعها أو من العكوف أي الإقامة ‏:‏ وجه تقديم الصوم على الاعتكاف كوجه تقديم الوضوء على الصلاة ‏(‏ سنة مؤكدة ‏)‏ مطلقا وقيل في العشر الأخير من رمضان لمواظبته عليه الصلاة والسلام على ذلك منذ قدم إلى المدينة حتى قبض وقضائه في شوال حين ترك وقيل مستحب وقيل سنة على الكفاية حتى لو ترك أهل بلدة بأسرهم يلحقهم الإساء وإلا فلا كالتأذين ‏,‏ والحق أنه على ثلاثة أقسام ‏:‏ واجب وهو المنذور وسنة مؤكدة وهو اعتكاف العشر الأخير من رمضان ومستحب وهو في غيره من الأيام كما في التبيين ولهذا قال ‏.‏ ‏(‏ ويجب بالنذر ‏)‏ ‏;‏ لأنه عبادة ألزم نفسه بها ‏(‏ وهو ‏)‏ أي الاعتكاف شرعا ‏(‏ اللبث ‏)‏ أي لبث المعتكف بضم اللام وفتحها أي قراره ‏(‏ في مسجد جماعة ‏)‏ صلي فيه الخمس أو لا وقيل تقوم فيه الجماعة ‏.‏ ولو مرة في يوم وقيل يصح في الجامع بلا جماعة والصحيح أنه يصح فيما أذن وأقيم ‏.‏ وفي المضمرات الأفضل في المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم المساجد التي كثر أهلها ‏(‏ مع النية ‏)‏ فالركن اللبث ‏,‏ والكون في المسجد والنية شرطان للصحة ‏.‏ وإذا أراد إيجاب الاعتكاف ينبغي أن يذكر بلسانه ولا يكفي لإيجابه النية كما في البزازية ‏.‏ وفي القهستاني ويجب بمجرد قصد القلب وروى عنه الإمام أنه يجب بمجرد الشروع لكن إذا لم ينو لا يعد اعتكافا ‏.‏ ‏(‏ وأقله ‏)‏ أي أقل مدة الاعتكاف الواجب ‏(‏ يوم عند الإمام وأكثره ‏)‏ أي أكثر اليوم ‏(‏ عند أبي يوسف ‏)‏ ‏;‏ لأن للأكثر حكم الكل عنده ‏.‏ ‏(‏ و ‏)‏ أقل مدة اعتكاف النفل ‏(‏ ساعة عند محمد ‏)‏ في الأصل وليس الصوم شرطا للنفل على ظاهر الرواية حتى لو دخل المسجد بنية الاعتكاف وهو معتكف عنده فلو شرع في نفله ثم قطعه لا يلزمه قضاؤه على الظاهر ‏;‏ لأنه غير مقدر فلم يكن قطعه إبطالا ‏.‏

‏(‏ والصوم شرط في الاعتكاف الواجب ‏)‏ رواية واحدة فأقله مقدر باليوم اتفاقا لقوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏لا اعتكاف إلا بالصوم‏"‏ وهو حجة على الشافعي ‏;‏ لأنه يقول ‏:‏ الصوم ليس بشرط والمراد بالصوم أن يكون مقصودا للاعتكاف من ابتدائه فلو نذر الاعتكاف قبل الزوال في يوم صامه لم يصح عنده خلافا لهما ‏.‏ ‏(‏ وكذا في النفل في رواية ‏)‏ عن الإمام فأقله يوم عند الإمام على هذه الرواية ‏.‏